الفشقة…أطماع أثيوبية في ظل يقظة سودانية "2"*

 🔥 *الفشقة…أطماع أثيوبية في ظل يقظة سودانية "2"* 





  ✍️ *د. عبد الكريم الهاشمي* 


إسترسالا لما جاء في الجزء الأول من مقال "الفشقة…أطماع أثيوبية في ظل يقظة سودانية" والذي حاول بسط الحد الأدنى من المعلومات الجغرافية والتاريخية الخاصة بالمنطقة ودواعي الصراع بين البلدين وأسبابه للمساهمة في معالجة الضعف الذي إعترى المعلومات والبيانات الخاصة بالمنطقة والصراع مما أدى لعملية تجهيل متعمد للرأي العام في عملية ممنهجة بعضها يضطلع به بني جلدتنا والبعض الآخر تنهض به الأجهزة المخابراتية. يناول الجزء الثاني من المقال بعض الموضوعات المهمة ذات علاقة وثيقة بموضوع منطقة الفشقة. 

 

 *تطور أحداث الفشقة بعد العام 1995* 

إن التعدي والتغول الإثيوبي على أراضي السودان ليس جديدا ولكن تعدي الجيش الأثيوبي الذي تم في العام  1995م مثل اكبر عملية إجتياح للاراضي السودانية خلال مسيرة الصراع بين الدولتين تم فيه احتلال منطقة الفشقة ومناطق أخرى دون مقاومة من السلطة القائمة وقتها والتي لزمت الصمت واتبعت سياسة التغافل الذي وصل حد التراخي واللامبالاة في التعامل مع هذا الملف لدرجة ترقى إلى وصفها العجز والإنهزام في الدفاع عن سيادة البلاد. إن التجاهل من النظام السابق مع الاحتلال الاثيوبي لاراضي الفشقة والتصدي له بكل مسؤولية وحسم شجع الحكومة الاثيوبيه لفرض هيمنتها وسيطرتها على اكثر من 156 كم مربع ما يعادل مليون فدان. أرجع كثير من المراقبين عدم تصدي الحكومة للإحتلال الأثيوبي وقتذاك لإنشغالها بالحرب الدائرة في جنوب السودان التي فرضت على الحكومة سحب جيشها من مناطق الفشقة والدفع به إلى أتون الحرب في جنوب السودان مما مكن الجيش الإثيوبي في العام 1995م من السيطرة على منطقة الفشقة وإحتلالها وطرد المزارعين السودانيين منها وتشريدهم والاستيلاء على مشاريعهم الزراعية ونهب ممتلكاتهم عبر عدوان ممنهج ومنظم على مرأى ومسمع الحكومة السودانية دون أن تبذل أدنى مقوامة لرد العدوان فذهبت الفشقة ولم يبقى الجنوب مما يدلل على كساد حجة إنشغال الجيش بالقتال الدائر في جنوب السودان وبيان خطلها. نقل توغل الجيش الأثيوبي الرسمي في الأراضي السودانية الصراع بين البلدين من التوصيف المخل الذي ظل يروج له ويختزل الصراع في هجمات تشنها مليشيات غير رسمية  "الشفتة" على المزارعين السودانيين الى عملية إحتلال نفذها الجيش الرسمي لدولة أثيوبيا يحدث لأول مرة في التاريخ مستفيدا من التفريط والتهاون المعيب للنظام الحاكم وقتها. إن الصمت والتغافل الذي بدا من النظام السابق وعجزه في التصدي لإحتلال أرض الفشقة يصعب ويستحيل تبريره بل ما زال يمثل لغزا أحار المهتمين والمراقبين لمجريات الأحداث في هذه القضية مما جعل سؤالا ملحا يندلق بقوة من العوام دع عنك المهتمين وهو لماذا غض النظام السابق طرفه عن هذا الاحتلال المهين حتى ذهاب سلطانه وصولجانه؟ إن تداخل المصالح الجيوسياسية هي التي قادت إلى التوافق بين البلدين الأمر الذي سمح لدولة إثيوبيا البقاء لفتر تجازت الربع قرن من الزمان وهذا أمر مستغرب ومستهجن من الحكومة السودانية وقتذاك إذ لا يتصور من حكومة راشدة ومحترمة أن تساوم بجزء من أرضها لتبقى على سدة الحكم مما يدفع بها إلى طائلة المساءلة في التفريط في أرض الوطن والتهاون في تحريرها من الاحتلال الأثيوبي. تحجج الجيش الأثيوبي بحادثة اقتيال الرئيس المصري التي وقعت في ذات العام 1995م للتوغل في الأراضي السودانية منتقما من الحكومة السودانية ومنتصرا للرئيس المصري في تصرف متهور فالطبيعي أن يتصرف نظام حسني مبارك هذا التصرق وقد حدث منه ذلك في منطقة حلايب ولكن أن يتم الانتقام بالوكالة عن النظام المصري هذا ما لا يمكن قبوله أو الإستسلام. إن ما يؤسف له أن النظام الحاكم وقتها إستسلم للإحتلال لكأنه قبل الدنئة في وطنه و باع تراب الوطن بثمن بخس على رؤوس الأشهاد. يرجح أن تكون قد تمت بعض التفاهمات الخفية بين الحكومة السودانية حينذاك والحكومة الاثيوبية نتجت عنها صفقة تسمح للاثيوبيين بالزراعة في الاراضي السودانية الواقعة في الفشقتين الصغرى والكبرى لعدم رغبة الحكومة في فتح جبهة وقتها مع اثيوبيا التي كان  ينشط فيها عدد من الحركات المسلحة والأحزاب السودانية المعارضة مما دفع الحكومة لهذه المساومة الخاسرة التي أبقت الإحتلال الأثيوبي كما هو عليه في أرض الفشقة. إن ما يثير الإستغراب أن علاقة البلدين ظلت طبيعية كأن لم يحدث شئ رغم الإحتلال الأثيوبي الغاشم بل تطورت العلاقات  الإقتصادية بربط البلدين بالطرق المعبدة وتم مد خطوط الإمداد الكهربائي بين البلدين وتزويد أثيوبيا ببعض إحتياجاتها من النفط وفتح الموانئ للواردات والصادرات الاثيوبية وحدث تطور في العلاقات الدبلماسية حدث كل ذلك وأثيوبيا تحتل جزء عزيز من الوطن. أصيب اصحاب المشاريع الزراعية المغتصبة وسكان المناطق التي تم إخلاءها قسرا بفجيعة جراء تخلي الحكومة عن الدفاع عنهم وعن ممتلكاتهم مما حدا بهم لتكوين مجموعات لتصعيد قضيتهم على كافة الأصعدة وبكافة الوسائل التي تصل لحمل السلاح إلا أن الحكومة السودانية وقتذاك ظلت ترسل لهم رسائل لا تخلو من التهديد بعدم رغبتها في التصعيد وفتح جبهة قتالية جديدة ساعدها في ذلك أن الاتحادات والنقابات التي يفترض أن تتبنى التصعيد تتصل بالحكومة وتخضع لتوجيهاتها. إن صمت الحكومة السابقة عن إحتلال أراضي الفشقة أعطى مبررا ومسوغا للأثيوبيين للسعي لتحقيق طموحاتهم التوسعية في الاراضي السودانية لشعورها بأنها مهملة ويمكن التخلي عنها كما فعل نظام الإنقاذ وذلك بالتنصل عن الاتفاقيات التي تحكم الحدود بين البلدين. بالرغم من ذهاب نظام الانقاذ إلا أنه يتحمل وذر التفريط في احتلال منطقة الفشقة وستظل كل التبريرات التي أدت إلى صمت الحكومة وقتذاك وتغافلها عن الإحتلال تبريرات كاسدة وفطيرة وبراغماتية ما لم تتكشف أسرار جديدة تسند ما ذهبت إليه الحكومة من صمت.  


*تجارب التفاوض بين البلدين* 

إن مسار التفاوض بين البلدين لا يدعو للإستبشار بل على النقيض يقود إلى التشاؤم وذلك للبرغماتية التي ظلت تنتهجها أثيوبيا وعدم إحترامها للمواثيق ومحاولاتها المتكررة للتنصل من نتائج المفاوضات والمراوغة في تنفيذ الإتفاقيات الأمر الذي يستوجب على حكومة السودان أن ترفض التفاوض مع دولة اثيوبيا إلا تحت جند واحد هو كيفية وضع العلامات التي تبين الحدود الفاصلة بين البلدين وفقا لإتفاقية 1902م. إن تاريخ التفاوض بين السودان وإثيوبيا ضارب بجذوره في عمق التاريخ  وذلك لإحتواء أزمة الحدود بين البلدين التي يعود تاريخها إلى حوالي 120 سنة حيث شهدت الفترة من 1901م والعام 1903 العديد من اللقاءات والاتفاقيات بين الجانبين السوداني "هارنجتون" والأثيوبي الامبراطور "منليك الثاني"  تناولت الحدود بين البلدين بهدف الإبقاء على العلاقات الودية القائمة بين البلدين وقد شهدت جدلا ومراوغة وفرض شروط مسبقة من جانب الامبراطور الاثيوبي حيث كان أشبه بالتفاوض التوزيعي Distributive Negotiations أو المساومة التوزيعية أو الـ Distributive Bargaining  التي إنتهت بإتفاقية العام 1902 (هارنجتون – منيليك) وبرتوكول الحدود لسنة 1903م. إن تجربة التفاوض السابقة بين البلدين لا تدعو للتفاؤل حيث كانت دائماً ما تعطي نتائج صفرية أو مجحفة للطرف السوداني من جانب أثيوبيا التي لا تؤمن بنتيجة التفاوص المربحة للبلدين "win-win" أو ما يسمى بالتفاوض التكاملي Integrative Negotiations أو بالتفاوض المربح لجميع الأطراف بحيث يضمن السودان سلامة أراضيه من التغول وتضمن أثيوبيا جوارا نافعا وآمنا. ظلت أثيوبيا تماطل في تنفيذ ما يتم الاتفاق عليه في جولات التفاوض المختلفة في إصرار واضح لكسب نتيجة التفاوض من طرفها وخسارة السودان "win-lose" فظلت تمارس أصناف من المناورات المخلة في محاولة للالتفاف علي اتفاقية العام ١٩٠٢ (هارنجتون - منيلك الثاني) والسعي للتنصل منها وإنكار الحدود المخرطة والمتفق عليها التي منحت اثيوبيا مساحات تتجاوز ربع مساحتها الحالية مما يفرض عليها التمسك والحرص على هذه الاتفاقية أكثر من السودان. تم خرق إتفاقية  ١٩٠٢م من قبل الجانب الأثيوبي بعد خروج المستعمر من السودان حيث  بدأت أطماع الاثيوبيين في التعدي والتغول على أراضي السودان وظل هذا التعدي يتكرر مما أدخل البلدين في مواجهة إنتهت بأول تفاوض بين البلدين في ظل سيادة تامة لكل منهما إنتهى بإتفاقية 1972م التي نصت على وضع علامات الحدود بين البلدين على الارض وفقا لإتفاقية 1902م كما دعت إلى استمرار الوضع على الأرض دون تعدي أي طرف على أراضي طرف آخر  حتى يتوصل البلدان إلى وضع علامات الحدود. إنتهكت أثيوبيا الاتفاق بالغزوات  المتكرر للأراضي السودانية حيث كانت أكبر عملية غزو وإنتهاك لإتفاقية  1972م تمت في العام 1995م حيث إجتاحت القوات الأثيوبية كل القرى والمدن السودانية المتاخمة لحدودها مع السودان ثم انسحبت من بعضها وظلت محتلة لمنطقة الفشقة حتى العام 2020 مسببة بذلك نزوح كثير المواطنين السودانيين والإضرار بهم  إلحاق خسائر كبيرة بممتلكاتهم. دخل البلدين في تفاوض في العام 1998 في بعد الغزو الذي حدث في العام 1995م وذلك لمناقشة كيفية وضع علامات الحدود بينهما في ظل إستيطان عدد كبير  من الإثيوبيين في منطقة الفشقة وممارسة الزراعة في نطاق واسع من المنطقة تحت حماية الحكومة الأثيوبية. إن أسوأ ما في المفاوضات التي جرت في العام 1998م أنها سمحت للإثيوبيين بصورة غير معلنة بالاستمرار في العيش وإستزراع أراضي الفشقة التي تم إحتلالها في العام 1995م بالرغم من إعتراف إثيوبيا بحدود 1902م في ذات الإتفاق مما يقود لتساؤل لماذا إختارت الحكومة هذا التصرف الشائن الذليل. تواصلت مسيرة التفاوض بين البلدين حيث توصلا  إلى تفاهم في العام 2005 وهو تفاهم تكميلي لإتفاقية 1972م نص على بقاء الوضع الراهن على الحدود كما هو عليه ريثما يتم التوصل إلى اتفاق نهائي وهذا التفاهم يبني عليه الآن المفاوض الأثيوبي موقفه المتعنت إذ يعتبر أن ما قام به الجيش السوداني انتهاكا لهذا التفاهم.  منذ أن أعاد الجيش السوداني إنتشاره في نوفمبر  2020 وتحرير كل المناطق المحتلة منذ العام 1995م ظل الأثيوبيين ينادون بإنسحاب الجيش السوداني من جميع الأراضي المحررة كشرط للجلوس إلى مائدة التفاوض وهو شرط أشبه بالمستحيل ظانيين أنهم سيجدون ذات السخاء والكرم الذي ظلوا يتمتعون به إبان حكم النظام السابق 

 وفي ذات الوقت يحشدون عتادهم للحرب مما يؤكد أنهم يتبعون إستراتيجية إستغلال الزمن الذي يعد حليفا للمفاوض لكسب المزيد منه لتوحيد الجبهة الداخلية وكسب أصدقاء داعمين ومساندين من المنظمات الأممية والإقليمية والمجتمع الدولي. ينبغي على المفاوض السوداني حال تنصل اثيوبيا من اتفاق الحدود الموقع في العام 1902م المطالبة باسترجاع كافة اراضي السودان التي منحتها بريطانيا لأثيوبيا أثناء فترة الاستعمار دون وجه حق والتي تتمثل في اقليم بني شنقول الذي شيد عليه سد النهضة المثير للجدل. إن المثالية التي تفترض أن التفاوض يحقق الفائدة لجميع الأطراف هي الطريقة اللبقة لمناقشة النتائج التي يفترض أن يسفر عنها التفاوض لكن هذه المثالة لا تتوفر  في حالة السودان  وأثيوبيا إذ أن السودان له هدف واحد من التفاوض هو إسترداد أراضيه المحتلة والمعترف بها دوليا وهي الصفقة التي يسعى لتحقيقها إذا ما جرت مفاوضات بين البلدين بينما أثيبوبيا مازالت متمسكة بخيوط الوهم التي منحها لها النظام السابق وبعض الأحاديث العاطفية للنشطاء السياسيين لبقاء الوضع كما هو عليه قبل إعادة إنتشار الجيش السوداني في نوفمبر 2020م  مما فتح شهيتها للتمسك بالتفاوض والحلول الودية التي تعتقد أنها ستمكنها من تحقيق هذا الهدف أو منحها حق إستثمارها حصريا. ستكون قضية سد النهضة حاضرة في أي تفاوض سيتم بين البلدين فهي ورقة رابحة للمساومة لتحقيق بعض المكاسب لكل طرف سيما أثيوبيا التي تسعى من خلالها لتحقيف مكاسب تعزز بها موقفها حال رضخت لقبول وضع علامات الحدود وفقا لاتفاقية 1902م. ما زال الأثيوبيين تائهين في غيهم وغطرستهم التي وصلت إلى توجيه إتهام رسمي من وزارة الخارجية الأثيوبية في فبراير 2021 تتهم فيه السودان الذي أعاد إنتشار جيشه على أرضه تتهمه بتأجيج الصراع بالوكالة لصالح دولة مصر وهذا يوضح حجم السفه والإساءة والصفاقة التي يتعامل بها صانع القرار الأثيوبي.  هنالك بعض المبادرات الخارجية التي تبذل لإحتواء الأزمة بين البلدين عبر التفاوض وحسم خلافهما سلميا مثل مبادرة الإتحاد الأوربي والإتحاد الأفريقي وكلاهما يريان أن الحل العسكري لا يخدم  البلدين كذلك مبادرات بعض دول الجوار وطلب اثيوبيا من تركيا للتوسط بين البلدين. على السودان أن لا يستجيب لأي مبادرة مشروطة تطالبه بالانسحاب من الأراضي المحررة كشرط لبدء المفاوضات ومن ثم نشر مراقبين على الحدود لحين توصل البلدين إلى حل ودي للخلاف بينهما أو اللجوء إلى التحكيم الذي ربما يجبر السودان لقبول فكرة إقتسام الأرض وهذه الحلول ليس في مصلحة السودان وستكون مرفوضة من الشعب السوداني فالسودان ليس بحاجة أن يتخلى طواعية عن أرضه ويقنن الأطماع الإثيوبية في الأراضي السودانية. يمكن للسودان الترحيب بكل مبادرة تسعى لإقناع أثيوبيا كدولة معتدية بترك التماطل والموافقة على بدء وضع العلامات الحدودية المتفق عليها رسميا على الارض. 


 *فرضيات الحرب والسلم* 

لم يكن الصراع الحدودي الذي نشب أخيرا بين السودان وإثيوبيا إثر إعادة إنتشار الجيش السوداني في أراضي سودانية كان يسيطر عليها الجيش الأثيوبي هي الأولى في تاريخ العلاقة بين الجارتين، فقد ظلت العلاقات بين البلدين تتأرجح منذ ستينات القرن الماضي بين الود المتبادل في العلاقة وبين القطيعة الدبلوماسية الكاملة التي حدثت مرتين في عهد الرئيس السوداني الأسبق جعفر النميري والرئيس السابق عمر البشير. لقد حدثت في العام 1966م اختراقات من جانب المزارعين الإثيوبيين حينما توغلوا داخل الأراضي السودانية بآلياتهم الزراعية مما دفع السلطات إلى إلقاء القبض على عدد كبير  منهم حيث شكلت هذه الحادثة بداية فصل جديد من التوتر بين البلدين شهدت مواجهات محدودة تنتهي عادة بتعهدات تعمل على تهدئة الأوضاع التي سرعان ما تعود بعدها الإشتباكات إلى سابق عهدها مجدداً. إن السودان وأثيوبيا لم يدخلا في حرب شاملة بينهما في السابق إلا أن المشهد الراهن للاحداث بين البلدين والتصريحات المتقاطعة من الجانبين والإتهامات المتبادلة والتي كشفت بجلاء حجم تعنت الطرف الأثيوبي وتمترسه حول رؤيته التي تتقاطع مع رؤية السودان مما يجعل المسرح مهيأ لدخول الطرفين في حرب شاملة وما يدعم ذلك الاستعدادات والتحشيد  الذي يجري على حدود البلدين رغم تصريحات الطرفين التي يعلنان من خلالها تحاشي كلاهما خيار الحرب إلا أن هنالك اشتباكات متفرقة ومتكررة تقع بين الطرفين بسبب اعتداءات الجيش الاثيوبي على الجيش السوداني وعلى المواطنين وإختطاف بعضهم مما يرجح إحتمال الحرب بين البلدبن إذا ما استمرت إستفزازات الجيش الأثيوبي فمعظم النار من مستصغر الشرر. إن البلدين لا يحتملان الدخول في نزاع عسكري برغم الإستعدادات المتصاعدة التي تنذر بالحرب فإثيوبيا تعاني عسكريا وسياسيا واقتصاديا من تبعات الاوضاع المضطربة في إقليم التقراي وهي بذلك لا تستطيع خوض حربين في آن واحد وهو ذات السيناريو الذي جعل الحكومة السودانية أن تغض الطرف عن الإحتلال الأثيوبي الذي جرى في العام 1995م حيث كان جيشها يقاتل الحركة الشعبية في جنوب السودان. كما أن السودان يعيش فترة انتقالية تتسم بالسيولة والهشاشة والأوضاع الاقتصادية المأزومة مما يفرض على البلدين إنتهاء الأزمة بالتفاهمات السياسية التي تقود لوضع العلامات الحدودية الدولية المشتركة بين البلدين والتي تعترف بها أديس أبابا لكنها تماطل في وضع العلامات النهائية. إن مصلحة البلدين تكمن في الحل السلمي الذي يحفظ حسن الجوار والمصالح المشتركة بين البلدين أما جنوح تلطرفين للحرب سيكون الجميع فيها خاسر. إن الخلافات الحدودية بين الدول يصعب حسمها بالحرب وإن طال أمدها فلا بد من تسويتها على أسس سلمية وقانونية دون الإضرار بإهدار الموارد البشرية والخسائر في الأرواح والعبث بمصائر الشعوب وذلك بقبول الجانب الإثيوبي بوضع علامات الحدود أو أن تتجه إسيوبيا إلى تجميد النزاع عند الوضع الراهن والاتجاه الى التحكيم الدولي وهذا الخيار محفوف بالانهيار لعدم إلتزام القبائل الأثيوبية الموجودة في الحدود بين البلدين مثل قبيلة الأمهرا التي لم تتوقف عن مهاجمتها للجيش والمواطنين مما يقود إلى تصعيد النزاع مجددا مما يقود إلى المواجهة المفتوحة التي تهدد الاستقرار المحلي والإقليمي. يعد مسار التهدئة والجنوح للسلم هو الأكثر ترجيحا للبلدين لانخفاض المخاطر الناتجة عنه لكلا الجانبين أما إذا لم تحتكم أثيوبيا إلى صوت العقل والحل السلمي فلن تنال ارضا سودانية بالقوة وسترى بأس الجيش السوداني إن أرادت المضي في طريق التعنت والتصعيد.


 *فشل الإعلام السوداني في تغطية الصراع* 

يلعب لإعلام دور مهم في الحياة العامة في الحرب والسلم منذ أن أضحى سلطة رابعة فما كان للحروب أن تندلع بمعزل عن الإعلام والدعاية والحرب النفسية لحشد الرأي العام ورفع معنويات الجيوش وتوحيد الجبهة الداخلية في مواجهة وتحطيم العدو وقد غدت فنون الاتصال والإعلام على علاقة وثيقة بالحرب سيما في هذا العصر الذي تميز  بالاتصالات والمعلوماتية مما جعل الحرب  تكاد أن تتحول برمتها إلى الإعلام والدعاية. تمثل الحرب في جوهرها تبادل منظم للعنف كما تمثل الدعاية في لبها عملية إقناع منظم يهدف لإقناع الخصم بواقع محدد ليذعن إليه فإن أذعن وقبل فلا حاجة للحرب العسكرية ابتداء. تطور أسلوب الدعاية في الحروب عبر التاريخ فجرت أول عملية دعائية حكومية في العصر الحديث أثناء إدارة الرئيس الامريكي وودر ويلسون 1916م الذي أنتخب وفق برنامج انتخابي بعنوان (سلام بدون نصر) وكان ذلك أثناء الحرب العالمية الأولى وفي تلك الأثناء كان المواطنون مسالمين لأقصى درجة ولم يكن هنالك سبباً للتورط في حرب أوروبية إلا أنه في حقيقة الأمر كانت هنالك إلتزامات على إدارة ويلسون تجاه الحرب مما يحتم  عليها فعل شيء ينهي به سلمية المواطنين وتعبئتهم للحرب فأنشأت لجنة للدعاية الحكومية بغرض التعبئة حيث نجحت خلال ستة أشهر في تحويل المواطنين المسالمين إلى مواطنين تتملكهم الهستيريا والتعطش للحرب والرغبة في تدمير كل عدو يشار إليهم بقتاله مما يوضح أهمية الإعلام والدعاية في حشد الدعم والتأييد. إن الإعلام السوداني الرسمي والخاص ظل بعيدا عن المستوى الذي ينبغي أن يكون عليه في مثل هذه الملاحم الوطنية فظل بعيدا عن التنوير والتعبئة بما يدور في الحدود الاثيوبية السودانية من إحتلال إذ كان المأمول من الإعلام السوداني القيام بدور التوعية والتعبئة للجبهة الداخلية وتنوير الرأي العام العالمي بفضح الإدعاءات والإعتداءات الأثيوبية على الحدود وبسط القدر الكافي من الأدلة والبراهين التي تثبت  أن أراض الفشقة سودانية وفقا للخرائط المعترف بها دوليا وهذا ما فشل فيه الإعلام السوداني الرسمي وغير الرسمي بل أحيانا يبث بعض الرسائل الإعلامية التي تخدم الاطماع الأثيوبية. لابد للإعلام السوداني من وضع إستراتيجية إعلامية تتناسب مع حجم الإنتصار الذي تحقق بتحرير الأراضي المحتلة من جانب وفضح الأطماع التوسعية لاثيوبيا التي إبتلعت بها منطقة بني شنقول الغنية بالموارد المعدنية والتي شيد عليها سد النهضة. على صعيد آخر نشط الجانب الاثيوبي في توظيف الإعلام في الدعاية لحشد الرأي العام حول قضية الفشقة من خلال المبالغة والتضليل والكذب والتضخيم في أسلوب عرض القضية لكسب التأييد والدعم الإقليمي والدولي وقد نجح في رسم صورة سالبة للجانب السوداني تظهره وكأمه الغازي والمعتدي وقد إنطلت هذه الفرية حتى على كثير من السودانيين دع عنك الأثيوبيين بينما عزز الاعلام الأثيوبي كل ما يبرز أثيوبيا البلد المعتدي في صورة إيجابية وكأنها المعتدى عليها في محاولة لحشد تأييد الجبهة الداخلية الأثيوبية من خلال تعزيز الشعور بالظلم وإغتصاب الارض والتهديد الكبير للأمن والإستقرار الأثيوبي الذي يتسبب فيه السودان كذلك تسعى أثيوبيا خارجيا من خلال الاعلام إلى  تفخيم الاعتقاد بأن أراض الفشقة أثيوبية لكسب أكبر تأييد على المستويين الإقليمي والدولي. إن الإعلام الأثيوبي قد يدلس ويزور ولكن ليعلم أن حقائق التاريخ لا تخفى ولا تتغير.


 *حملات التخذيل ضد الجيش السوداني* 

لم يتصور أحد أن تكون قضية إحتلال اراضي سودانية  الفشقة" من الجيش الاثيوبي منذ العام 1995م أن تكون مادة للمزايدة السياسية أو قضية ينقسم حولها الشعب لمؤيد للجيش ومخذل له وذلك لأنها قضية تمس السيادة الوطنية لا ينبغي أن يختلف حولها إثنان. إن ما يؤسف له أن بعض الاحزاب والنشطاء السياسيين درجوا على اتهام الجيش السوداني بإفتعال الصراع لصالح طرف ثالث في إشارة واضحة إلى مصر التي تسعى لإشعال الحرب بهدف إضعاف إثيوبيا وتعطيل مسيرتها في تشييد سد النهضة وهذا ما يروج له الأثيوبيين لإلهاء هاؤلاء من التركيز  على القضية الأساسية وهي إحتلال أثيوبيا لأرض سودانية. إن الذين يرفضون الحرب مع أثيوبيا ويقودون حملة تخذيل عريضة  تستهدف جيش البلاد لا تسندها حيثيات على الارض إلا من باب الهوى والحجج الواهية والتعاطف المشبوه مع أثيوبيا التي ليس لها يد بيضاء على السودان ولم يعرف لها موقف سياسي مناصر  للسودان في المحافل الاقليمية والدولية كما ظلت إجتماعيا وإقتصاديا عبئا على السودان. ليس هناك مصالح مشتركة بين الدولتين كما يدعي البعص إلا الجوار بالحسنى وأن البكاء على بعض الاواصر الحميمة لا تجعل السودان يساوم بسيادته والتفريط في أرضه بناء على العواطف والمشاعر . إن أفضال السودان علي اثيوبيا لا تحصي ولا تعد فبعد اجتياح الجيش الايطالي لاثيوبيا في الحرب العالميه الثانيه استقبل السودان الامبراطور هيلاسلاسي واسرته وحكومته ودعمه حتي عاد لاثيوبيا واستعاد سلطته فضلا عن الاعداد الكبيره من اللاجئين الأثيوبيين الذين فروا إلى السودان إبان حكم منقستو هايلي مريام والدعم الذي وجدته الثوره الاثيوبيه بقيادة الرئيس الاثيوبي الراحل مليس زناوي حتى نجحت في إسقاط نظام منقستو أما في الجانب الاقتصادي ففتح السودان موانيه لاستقبال الواردات والصادرات الاثيوبيه وزودها بإحتياجاتها من الوقود وشيد طريقا معبدا يربط بين الدولتين وساوى بين العمالة الاثيوبية والوطنية في الأجر. لم تقابل اثيوبيا ذلك بالتقدير والعرفان المستحقين بل استغلت تداعيات حادثة اقتيال الرئيس المصري واتهام الخرطوم بالتورط في ذلك لتحقق هدف قديم هو ضم جزء عزيز من الوطن فإذا إفترضنا جدلا أن نظام الخرطوم كان متورطا في حادثة إغتيال مبارك فهذا لا يبيح لدولة اثيوبيا إحتلال أراضي سودانية وإستثمارها لأكثر من عقدين متحججة بتلك الحادثة. إن الاحتلال الاثيوبي للأراضي السودانية يحتم على كل الوطنيين الغيورين تقديم الدعم المادي والمعنوي للقوات المسلحة والوقوف معها في خندق واحد حتي ترعوي أثيوبيا وتعيد كل الاراضي التي احتلتها بدلا من التخذيل والتثبيط والتشكيك في قدراتها وبث الاخبار التي تقلل من فرص إنتصار الجيش السوداني أمام نظيره الاثيوبي بإدعاء تفوقه عدة وعتادا وهذا ما يكذبه الواقع والتاريخ وستكشفه الايام إذا إحتدم الوغى وحمي الوطيس.  إن المساندة الخانعة  والتعاطف الخسيس الذي يظهره بعض السودانيين لصالح اثيوبيا عبر الكتابات الجوفاء السخيفة والمبتزلة و التصريحات المدجنة والمشبوهة والمأجورة التي تظهر تعاطف بعض النشطاء السياسيين والناشطين الإعلاميين و تماهيهم مع المسؤولين الاثيوبيين لن يغتفرها لهم التاريخ وستظل وصمة عار في جبينهم تعكس خيانتهم ودناءتهم. ظل هاؤلاء النشطاء الساسيين والناشطين الإعلاميين  يتبنون ويروجون للرأي الرسمي الأثيوبي في قضية الفشقة بحيث يصيغ الأعلام الأثيوبي أخبار النزاع ويفبرك الاحداث ويترك لهاؤلاء النقل والنشر في غباء قل أن تجد نظيره وإن ما يدعو إلى الإستغراب أن الأصوات المخذلة هي ذات الاصوات والاقلام التي أعابت على النظام السابق وأقلقت مضجعه بسبب الإحتلال الأثيوبي لأرض الفشقة. تحاول بعض الاحزاب والنشطاء السياسيين التقليل من العمل الوطني والبطولي الذي تقوم به القوات المسلحة السودانية وإخراجه من سياقة الطبيعي كواجب وطني وإبرازه في إطار الوكالة لصالح مصر في مسعى مفضوح للنيل من الجيش السوداني مما يظهر ندالة تفكيرهم وخسة أدواتهم في الوصول إلى أهدافهم المنتنة عبر معاداة الوطن بالتشكيك في نوايا جيشه والوقوف مع أعدائه خالطين بذلك ما بين الوطني والشخصي ومتناسين أن القوات المسلحة لا تعمل لمصلحة فرد أو كيان غير السودان وتتصرف وفقاً لمصالح البلاد العليا كما عرفت عبر مسيرتها الخالدة. يروج هاؤلاء النشطاء أيضا في الاعلام  بإن حكومة الفترة الانتقالية السودانية لا تستطيع الإنتصار لأي قضية سودانية سيما قضية أراضي الفشقة وذلك  بسبب إنشغالها بأزمات الشأن الداخلي وما تتسم به الحكومة من هشاشة لذلك فإن الدخول في حرب مع الجارة إثيوبيا في ظل هذه الظروف سيتيح لمنسوبي النظام السابق القفز في أتونها تحت دعاوى الدفاع عن الوطن وهذا بالطبع ضرب سخيف من التبرير الذي يفتقر للموضوعية الهدف منه بث التخذيل والإنهزام. إن أسوأ مافي حملات التخذيل التي تستهدف الجيش السوداني تدار عبر الوسائط الإجتماعية التي يصعب فيها تحديد الكاتب ومصدر الخبر إذ أن معظم الأخبار والتحليلات والتوقعات التي تتناول قضية الفشقة والتي تندرج تحت الحرب النفسية  ترد في صفحات بأسماء مستعاره أو صفحات مجهولة تديرها المخابرات الأثيوبية وعملائها في الداخل من الأثيوبيين المقيمين بيننا وهذا طبيعي أما أن يتشرب هذه الاخبار بعض السودانيين كما الإسفنج ويساهموا في تداولها والترويج لها عبر الصفحات والصحف فهذا هو ما ليس طبيعيا. 


 *المزايدة على الجيش السوداني خيانة.* 

إن القوات المسلحة السودانية التي أنشئت في العام 1925  والتي شاركت في الحرب العالمية الثانية لها عقيدة قتالية تقوم على الدفاع عن حمى الوطن والحفاظ على سيادته ووحدته الوطنية وهي بذلك ليس محلا للمزايدة أو المغالاة ولا يزيدها ثناء مادح ولا يضرها إنتقاص قادح. لعب الجيش السوداني أدوارا إقليمية ودولية قديما وحديثا  فقد شاركت وحدات سودانية ضمن الجيش المصري في حروب محمد علي باشا خديوي مصر في الفترة ما بين 1854 م و1856 م في " جزيرة القرم" إلى جانب تركيا ثم في المكسيك سنة 1862م عندما طلبت فرنسا وإنجلترا وإسبانيا من خديوي مصر إرسال فرقة من السودانيين لحماية رعاياها من العصابات المكسيكية. في الحرب العالمية الأولى أرسلت بريطانيا فرقتين من الجنود السودانيين إلى جيبوتي بناء على طلب من فرنسا لتحل محل الجنود السنغاليين هناك كما إشتركت فرق منها في العمليات الحربية في الحرب العالمية الثانية حيث قاتلت ضد الإيطاليين في إريتريا وإثيوبيا وأوقفت تقدمهم في جبهتي كسلا والقلابات وأبلت بلاء حسنا في معركة كرن في إريتريا كما شاركت في حملة الصحراء الغربية لدعم الفرنسيين حيث رابطت في واحتي "الكفرة" و"جالو" في الصحراء الليبية لوقف تقدم الألمان. شاركت في حرب فلسطين عام 1948 م وفي حرب أكتوبر 1973 م مع الجيش المصري حيث ارسلت الحكومة السودانية قوة قوامها لواء مشاة إلى شبه جزيرة سيناء. كذلك شاركت القوات المسلحة السودانية في عمليات دولية تصب في مساعي حفظ السلام والاستقرار مثل مشاركتها في الكونغو عام 1960 وفي تشاد عام 1979 وفي ناميبيا في 1989 م وفي لبنان ضمن قوات الردع العربية لحفظ السلام تحت لواء جامعة الدول العربية وفي عملية إعادة الحكومة المدنية في جمهورية جزر القمر حيث ساهمت قوات المظليين السودانية في استعادة جزيرة "انجوان" وتسليمها لحكومة جزر القمر عام 2008 م وما زال الجيش السوداني يساهم في عمليات حفظ السلام والأمن الدوليين. عرف الجيش السوداني بخبرته القتالية الطويلة حيث ظل في وضع قتالي منذ الحرب العالمية الثانية وحتى العام 2020م  بسبب التمرد والحروب الأهلية المتقطعة والتي أكسبته الكثير من رباطة الجأش والانضباط. عرف الجنود السودانيين بشراسة القتال وقوة الإحتمال والصبر والتجلد. إن بسالة وشجاعة الجيش السوداني الذي لم ينهزم قط منذ أن كان قوات دفاع السودان تحت مظلة المستعمر وأن العالم أجمع يشهد لقوات دفاع السودان التي كان لها القدح المعلي في تغير موازين القوة في الحرب العالمية الثانيه كما ضربوا مثلا في الاخلاق حينما تصدوا للجيش الانجليزي المنتصر وهم يمثلون جزء منه تصدوا له حينما أعلن قائد الجيش لجنوده إستباحة مدينة طبرق الليبية لمدة ثلاث أيام فتصدأ له الجيش السوداني ومنع هذه الجريمة الاخلاقية فصارت نموذجا أخلاقيا يحكى للاجيال. فالجيش السوداني جيش محترف ومتمرس وليس في حاجة لمساندة مادح او تخذيل قادح فاذا ما حدثت مواجهة عسكرية وهو ما يرجح حاليا فإن النصر سيكون حليف الجيش السوداني وما يرجح هذا الإحتمال إضطراب الأوضاع الداخلية التي تعيشها إثيوبيا بالرغم من حالة السيولة التي  يعيشها السودان ويعزز فرضية ميل الكفة لصالح السودان إستتباب جبهات القتال وتوصل الحكومة إلى إتفاق سلام مع معظم الحركات المسلحة والتي يمكن أن تقاتل جنبا لجنب مع القوات المسلحة كذلك. سيظل الجيش السوداني قلعة عصية لا يدنسها رجس العملاء ولا يشوه تاريخها دنس الرعاديد ولا ينال من شرفها المرتعشين. 


 *الأهمية الاقتصادية لمنطقة الفشقة* 

تقدر مساحة منطقة الفشقة الصالحة للزراعة بحوالي إثنين مليون فدان من الاراضي الخصبة التي عرفت بمعدل إنتاجية عالية سيما محصولي السمسم والذرة والمحصولات الأخرى. معلوم تاريخيا أن السودان ظل يحتل مركزا متقدما في قائمة الدول المنتجة والمصدرة لمحصول السمسم وقد احتل المركز الأول في قائمة الدول المصدرة للسمسم لأكثر من عام إلا أنه حدث تراجع كبير في مكانة صادرات السودان لصالح اثيوبيا التي إحتلت المرتبة الأولى في أكثر من عام خلال فترة إحتلال الفشقة من بين أكبر عشرة دول منتجة للسمسم بينما كانت تلي السودان في الترتيب ومعلوم أن أثيوبيا اشتهرت بمنتجات أخرى بالرغم من إنتاجها للسمسم. ينتج السمسم الابيض المطلوب عالميا في اثيوبيا في منطقة الحمرة وهي مدينة تقع بين إثيوبيا وإريتريا والسودان في إقليم تجراي المجاور لمنطقة الفشقة إلا أن الراجح أن يكون هو السمسم المنتج في منطقة الفشقة التي اشتهرت بإنتاج أجود أنواع السمسم كما اشتهرت بالإنتاجية العالية وذلك لخصوبة ارضها حيث إحتلت أثيوبيا منها مليون فدان أي (1000 مشروع زراعي بمساحة 1000 فدان لكل مشروع) أدخلت أثيوبيا خلال إحتلالها لمنطقة الفشقة بالإضافة إلى المحاصيل الرئيسة التي تزرع في المنطقة مثل الذرة و السمسم أدخلت زراعة البقوليات و زهرة الشمس والقمح وأصناف عديدة ظلت تسهم في الناتج القومي الإجمالي لأثيوبيا كما توفر  فرص عمل لملايين الاثيوبيين. أما على مستوى الجانب السوداني يختلف الأمر فبالإضافة إلى الأهمية الإقتصادية لمنطقة الفشقة فهي جزء عزيز  يمثل سيادة الوطن يستوجب من الحكومة والمواطنين الدفاع عنه وتحريره من الإحتلال الجائر من الجيش الأثيوبي. زادت أهمية منطقة الفشقة الإقتصادية بعد تشييد سدي أعالي عطبره وستيت حيث تضم المنطقة البحيرة الرئيسية للسد مما يوفر مياه الري لأي مشروعات زراعية جديدة أو مشروعات سياحية أو مشروعات للإستزراع السمكي مما يساهم في تنمية المنطقة وتحسين المستوى الإقتصادي والإجتماعي لسكانها والمساهمة في توطينهم وتوفير فرص عمل إضافية لهم. تعالت اصوات بعض النشطاء مقللة من عدم جدوى الدخول في حرب من اجل مساحة زراعية صغيرة بالمقارنة مع ما يمتلكه السودان من أراضي زراعية متشاسعة وهذا ما يراه الأثيوبيين الذين يعتقدون أن السودان ليس في حاجة لهذه المساحة وهم أولى بها إلا أن الأمر يتجاوز هذا الفهم الرعديد لإرتباطه بسيادة الوطن.


 *مصير الارض المحررة الفتنة نائمة* 

الاحداث الاخيرة التي جرت في منطقة الفشقة أثارت موضوع مصير الاراضي الزراعية المحررة  وذهب بعض الكتاب والناشطين الى الترويج الى فكرة توزيعها أو إعادة توزيعها لمجموعات جديدة من المستفيدين ويبدو أن تناولهم لهذا الموضوع مبني على تصور خاطئ هو أن الارض التي تم إحتلالها ليس لها ملاك بل ذهب بعضهم لآراء متطرفة ودعا لنزع الأراضي غير المستفاد منها "بور" أو التي يؤجرها أو يبيعها أصحابها للأثيوبيين مستندين على تبريرات غير منطقية فالثابت أن هذه الأراضي مملوكة لمزارعين لحقب زمنية طويلة وفقا للنظم واللوائح المعتمدة لدى الزراعة الآلية ولديهم من الوثائق ما يثبت ملكيتهم تم تشريدهم وإغتصاب أرضهم وممتلكاتهم وقتل بعضهم  وهي بالتالي أراضي مزارعين أجبرتهم الحرب على النزوح وترك ممتلكاتهم علما بأنهم كانوا مستعدين للتضحية بأنفسهم في سبيل تحرير أرضهم لو لا تدخل الحكومة بإثنائهم عن هذه الخطوة فليس هنالك مبرر للدعوة بإعاد توزيعها أو مصادرتها وسيؤدي هذا الإجراء إلى إيقاظ الفتنة بين ملاك الأراصي والوافدين الجدد. 


 *ضرورة تنمية منطقة الفشقة* 

إن طول الحدود التي تفصل بين البلدين تبلغ 760 كلم وهي حدود مرنة يسهل التنقل عبرها بكل سهولة ويسر مما أغرى سكان المدن والقرى الأثيوبية من التفكير المستمر في كيفية التغول على أراضي الفشقة. التفكير في تنمية الشريط الحدودي بين البلدين قديم منذ سبعينات القرن الماضي إبان الحكم المايوي وزاد الاهتمام بذلك بعد تزايد الهجرات غير الشرعية من سكان القرن الافريقي لأوربا. أما تنمية منطقة الفشقة أصبحت أمرا لازما بعد المحاولات المتكررة للتغول عليها فلابد لها من برنامج تنموي يهتم بالتعمير  وبناء المعابر لربطها بالحواضر والقرى فمنطقة الفشقة يتقاطع فيها أكثر من نهر  مما يجعل الوصول إليها في فصل الخريف أمرا صعبا كذلك ضتعبيد بعض الطرق التي تربطها بمدن ولاية القضارف وكسلا. السعي لإنشاء قرى نموذجية داخل المنطقة و تشجيع المواطنين للبقاء بها و توفير الأمن لهم الذي يمكنهم من العودة لمشاريعهم وممارسة نشاطهم الزراعي.

تعليقات

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

بين مريـم الأُخــــرى والمجدلية محمد عبد الله شمو

الخطاب التأريخي للدكتور جون قرنق ديمابيور اتيم أثناء إتفاقية السلام الشامل في العام 2005م

#الطير #المهاجر .. محمد وردي